الصّلاة والسّلام عليك يا سيّدي يا رسول الله!

الصّلاة والسّلام عليك يا سيّدي يا رسول الله!
((وكلهم من رسول الله ملتمسٌ ... غرفاً من البحر أو رشفاً من الدّيم))

الخميس، يناير 19، 2012

ترجمة رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الجامع الأزهر الشريف العارف بالله فضيلة الإمام الأكبر مصطفى عبد الرازق الأشعري الشافعي 1303 - 1366هــــ رضي الله عنه (1).


ترجمة رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الجامع الأزهر الشريف العارف بالله فضيلة الإمام الأكبر مصطفى عبد الرازق الأشعري الشافعي 1303 - 1366هــــ رضي الله عنه. 



ترجمة رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الجامع الأزهر الشريف العارف بالله فضيلة الإمام الأكبر مصطفى عبد الرازق الأشعري الشافعي 1303 - 1366هــــ رضي الله عنه.


بسم الله الرحمن الرحيم

رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الجامع الأزهر الشريف العارف بالله فضيلة الإمام الأكبر مصطفى عبد الرازق الأشعري الشافعي 1303 - 1366هــــ رضي الله عنه.

اسمه ونسبه :

الشيخ مصطفى بن حسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرازق الأشعري الشافعي رحمه الله.

مولده :

ولد في قرية أبِي جرج، من قرى محافظة المنيا، ولا يُعرف تاريخ مولده بالضبط، وأشهر الأقوال أنه ولد سنة 1303هـــ/ 1885م، وهو الابن الرابع من أبناء المرحوم حسن باشا عبد الرازق.

نشأته ومراحل تعليمه :

حفظ القرآن الكريم في قريته وجوَّده ودرس مبادئ العلوم ثم أرسله والده إلى الأزهر الشريف وسِنُّه بين العاشرة والحادية عشرة، فواصل دراسته في جدٍّ واجتهادٍ، وظهرت بواكير نبوغه وكان والده يتدارس معه في الإجازات كتب الآداب ودواوين الشعراء فنمت موهبته وأينعت، وأحبَّ الصحافة فأنشأ مع إخوته وأقاربه صحيفة عائلية كان يطبعها على مطبعة (البالوظة)، ثم أنشأ جمعية (غرس الفضائل) من شباب أسرته وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كُلِّ أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية واستمرت هذه الجمعية من سنة 1318هــ/ 1900م حتى سنة 1323هـــ/ 1905م.

ثم كانت الصحف العامة فنَشَرَت له المقالات الأدبية والقصائد، ثم انصرف عن الشعر إلى الدراسات الأدبية، وكان بين والده وبين الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنه مودة وصداقة وثيقة انعكس أثرها على نجله الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق، فتأثر بالإمام محمد عبده تأثرًا كبيرًا، ووجّهه توجيهًا رشيدًا، وتأثر أيضًا ببعض العلماء مثل الشيخ بسيوني عسل، أستاذه في الفقه، والشيخ محمد حسنين البولاني، والشيخ محمد شقير، والشيخ الإمام أبي الفضل الجيزاوي، والشيخ محمد بخيت المطيعي مُفتي الدّيار المصريّة.

ثم درس مع العلامة الشيخ أحمد أبي خطوة رحمه الله كتاب ((طوالع الأنوار للقاضي البيضاوي)) وهو كتاب فيه ذكر لمذاهب الفلاسفة المسلمين وغيرهم.

وفي سنة 1326هـــ/ 29 من يوليو 1908م تَقدَّم الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق لامتحان العَالِمية، فأدَّى الامتحان بتفوق ونال شهادتها من الدرجة الأولى، ولم ينلها من هذه الدرجة إلا واحد أو اثنان من المتقدمين معه، وكان عددهم كبيرًا، وبعد شهر من نجاحه انتُدِب للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي.

وكان الأزهر الشريف في هذه الفترة يموج بالثورة مُطالبًا بإصلاح مناهجه ونظمه، ومن مطالبه إلغاء مدرسة القضاء الشرعي؛ لأن فيه عنها غناء بكلية الشريعة، وتألفت جماعة للمطالبة بالإصلاح أطلق أعضاؤها عليها اسم (جمعية تضامن العلماء) وكان الشيخ مصطفى عبد الرازق في مقدمة أعضائها فغضب الخديوي على هذه الجمعية وأوعز إلى مدرسة القضاء الشرعي بالضغط عليه للاستقالة منها، فقدم الشيخ استقالته من المدرسة لا من الجمعية.

سفره إلى فرنسا :

اتجه الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى السفر إلى باريس لدراسة اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة السربون، ففي سنة 1327هـــ/ 23 من يونية  1909م سافر إلى فرنسا، فدرس الفرنسية وحضر دروس الأستاذ (دوركايم) في الاجتماع، كما حضر دروسًا في الآداب وتاريخها، ثم حضر في ليون درس الأستاذ (جوبلر) في تاريخ الفلسفة ودروسًا في تاريخ الأدب الفرنسي، ثم ندبه مسيو (لامبير) ليتولى تدريس اللغة العربية في كلية (ليون)، وأعدَّ رسالة الدكتوراه عن : ((الإمام الشافعي)) رضي الله عنه، ثم أخرج مع المسيو (برنار ميشيل) ترجمة بالفرنسية لكتاب الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنه (العقيدة الإسلامية) من رسالة التوحيد.

عودته إلى مصر والأعمال التي عَمِلَ بها :

ظل الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق في فرنسا حتى قامت الحرب العالمية الأولى، فعاد مع كثير من زملائه المصريين إلى مصر.

وفي أكتوبر سنة 1333هـــ/ 1915م عُيِّنَ مُوظَّفًا في مجلس الأزهر الأعلى بإشارة من السلطان حسين كامل؛ لأنه كان وثيق الصلة بوالد الشيخ مصطفى وبأخيه حسن باشا عبد الرازق؛ ولأنه تعرف على الشيخ في بعض أسفاره إلى فرنسا فأعجب به كل الإعجاب واستمرت الصلة بينهما في مصر، مما دعا الأميرة قدرية بنت السلطان إلى تكليفه بتعريب كتاب لها بالفرنسية، فترجمه إلى العربية بعنوان (طيف خيال ملكي).

ثم بعد ذلك عينه السلطان سنة 1334هــــ/ 1916م سكرتيرًا للمجلس الأعلى للأزهر الشريف والمعاهد الدينية، واستطاع في هذا المنصب أن يصل حباله بكثير من علماء الأزهر، وأن يكسب مودتهم وإعجابهم، وفتح بيته ندوة يؤمها رجال الفكر والثقافة وعلماء الدين يتدارسون فيه ويتباحثون في شؤون الدين والفلسفة والآداب.

وفي سنة 1334هــــ/ 1916م اشترك في (الجمعية الخيرية الإسلامية)، ثم انتُخب عضوًا بمجلس إدارتها سنة 1920م، ولم يزل انتخابه يتجدد حتى انتُخب وكيلا لرئيس الجمعية ثم رئيسًا لها في سنة 1365هــــ/ 28 من فبراير 1946م بعد وفاة رئيسها المرحوم الإمام المراغي، وبقي رئيسًا لها حتى توفاه الله.

وفي سنة 1335هــــ/ 1917م أنشأ رجل سويدي اسمه (بروزدر) - كان موظفًا بصندوق الدَّين في مصر - ما سَمَّاه (جامعة الشعب) وضمَّ إليها كبار المثقفين من المصريين والأجانب لإلقاء محاضرات علمية في شتى المعارف، وضم إليها الشيخ مصطفى عبد الرازق، فلقيت هذه المحاضرات رواجًا كبيرًا ولبثت بضع سنوات.

وفي سنة 1338هــــ/ 4 من سبتمبر  1920م صدر قرار من مجلس الوزراء بتعيين الشيخ مصطفى عبد الرازق مُفتشًا بالمحاكم الشرعية.

وفي سنة 1345هــــ/ نوفمبر 1927م نُقل إلى الجامعة أُسْتَاذًا مُسَاعِدًا، فبرزت مواهبه في هذا الأفق العلمي الفسيح، ولَمَّا خلا كرسي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة لم يختلف أصحاب الشأن في اختياره لشغل هذا الكرسي، ففاز بلقب ((أستاذ الفلسفة)) في سنة 1355هــــــ/ أول أكتوبر 1935م، كما نال رتبة البكوية في سنة 1357هـــــ/ 2 من فبراير 1937م، ثم تم اختياره وزيرًا للأوقاف في الوزارة التي ألفها محمد محمود باشا في سنة 1358هــــــ/ 27 من إبريل 1938م، وظلَّ وزيرًا للأوقاف في هذه الوزارة وما تلاها من وزارات حتى 1362هـــــ/ 5 من فبراير سنة 1942م.

وفي أثناء عمله وزيرًا عُيِّن عضوًا بالمجمع اللغوي سنة 1360هـــــ/ 1940م، وفي سنة 1361هــــ/ 1941م نال رتبة الباشوية، وفي سنة 1364هـــــ/ 9 من أكتوبر 1944م تألفت وزارة أحمد ماهر فدخل فيها وزيرًا للأوقاف، كما دخل وزارة النقراشي التالية لها أيضًا، وبقي وزيرًا للأوقاف حتى تم تعيينه شيخًا للأزهر، فقد شغل الشيخ مصطفى عبد الرازق منصب وزير الأوقاف في سبع وزارات، وهو أول شيخ أزهري يتولى هذه الوزارة.

أخلاقه :

قال عنه العلامة الموسوعي الكبير الأستاذ محمد فريد وجدي – رحمه الله - في رثائه واصفًا أخلاقه : ((لم أر فيمن قابلت من القادة أكرم خُلقًا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسًا في غير وهن، ولا أكثر بشاشة في غير رخوة من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكل ذلك إلى حزم لا يعتوره لوث، واحتياط لا يشوبه تنطع، وأناة لا يفسدها فتور، وإدمان على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة وعِلْيَة المصلحين)).

آثاره العلمية والفكرية والأدبية الخالدة :

1 - التمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية ((وهو أعظم مصنفاته على الإطلاق)).

2 - فيلسوف العرب والْمُعَلِّم الثاني (الفارابي).

3 - الدين والوحي في الإسلام.

4 - الإمام الشافعي رضي الله عنه.

5 - الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله.

6 - مذكرات مسافر.

7 - مذكرات مقيم.

8 - بحث في دراسة حياة البهاء زهير وشعره.

9 - من آثار مصطفى عبد الرازق، وهو مجموعة مقالات وأبحاث ودراسات جمعها أخوه الشيخ علي عبد الرازق بعد وفاته في أكثر من خمسمائة (500) صفحة، وكتب لها مقدمة طويلة عن حياته.

10 - رسائل موجزة بالفرنسية عن الأثري الكبير المرحوم بهجت بك.

11 - رسائل موجزة بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.

12 - ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رضي الله عنه، كتبها بالاشتراك مع الأستاذ (ميشيل برنارد)، وصدَّرَهَا بمقدمة طويلة بقلمه.

وله كتب أخرى لم تنشر، من أهمها :

13 - مؤلف كبير في علم المنطق والحكمة.

14 - مؤلف كبير في التصوف الإسلامي.

15 - فصول في الأدب، تقع في مجلدين كبيرين.

16 - مذكراته اليومية.

ولايته للمشيخة الكبرى بالأزهر الشريف :

في سنة 1365هـــــ/ 27 من ديسمبر 1945م تم تولية الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهر الشريف، وهذا الأمر لم يرض به مجموعة من العلماء في الأزهر؛ لأن شيخ الأزهر ينبغي أن يكون من هيئة جماعة كبار العلماء، ولا يُعيَّن بالهيئة إلا من تولَّى وظائف معينة في القضاء الشرعي، أو درس بالأزهر مدة معينة، ولم يكن الشيخ مصطفى عبد الرازق قد باشر التدريس بالأزهر، ولم يعترف كبار علماء الأزهر بتدريسه بالجامعة المصرية، فحلَّ أولياءُ الأمور هذه المشكلة بإصدار قانون جديد يقضي بأن يكون التدريس في الجامعة مُسَاويًا للتدريس في الكليات الأزهرية في الترشيح لمشيخة الأزهر.

ولم يمض عليه حول كامل في مشيخة الأزهر حتى تم اختياره أميرًا للحج، فخرج لأداء الفريضة في سنة 1366هـــــ/ 28 من أكتوبر 1946م، ولبث في رحلته شهرًا وأيامًا ثم عاد ليتفرغ لاستئناف وجوه الإصلاح في الأزهر، ولكن الأمر لم يطل به.

وفاته :

 ذهب الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق في سنة 1366هـــ/ 15 من فبراير 1947م إلى مكتبة الأزهر فرأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر الشريف ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه ونام قليلا، ثم استيقظ فتوضأ وصلَّى، ثم شعر بإعياء شديد فاستُدعي الطبيب فوجد أن الشيخ قد وافته المنية، فقد نفذ قضاء الله فيه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولكل أجل كتاب.

مصادر ترجمته:

1 - الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.

2 - الأعلام للزركلي 7/231.

3 - شيوخ الأزهر، تأليف: أشرف فوزي.

4 - مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن، تأليف: علي عبد العظيم.

5 - من آثار مصطفى عبد الرازق، جمعت بعد وفاته، طبع دار المعارف بمصر.

والحمد لله أولا وآخرا، (منقول من "موقع دار الافتاء المصرية" بتصرف يسير).

مصادر خارجية :
موسوعة: ((النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين)) للعلامة الكبير أ. د. محمد رجب البيومي.

طالع أيضًا تراجم وسير ومناقب ومؤلفات:

1 - رائد النهضة الإسلامية الحديثة الإمام الأمير السيّد جمال الدّين الأفغاني الحُسيني الحنفي (1254 - 1314هــ).

2 - مُجدّد الإسلام الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده الحنفي مُفتي الدّيار المصرية (1266 - 1323هـــ).

3 - الإمام العلامة الجليل السيّد محمد رشيد رضا الحُسيني الحنفي (1283 - 1354هـــــ).

4 - شيخ الأزهر وقاضي القضاة فضيلة الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي الحنفي (1298 - 1364هـــ).

5 - رائد الفلسفة الإسلامية (الأول) شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. مُصطفى عبدالرّازق الشافعي (1303 - 1366هـــ).

6 - شيخ الأزهر ومُفتي الدّيار المصرية فضيلة الإمام الأكبر عبد المجيد سليم الحنفي (1299 - 1374هـــ).

7 - شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. محمد عبد الرحمن بيصار (1328 - 1402هـــ).

8 - علامة الشام فقيه الأدباء وأديب الفقهاء القاضي الشيخ علي الطنطاوي الحنفي (1327 - 1418هـــ).

9 - عميد الأدب العربي العلامة الحجة الكبير الشيخ محمود محمد شاكر الحسني الحنفي (1327 - 1418هــــ).

10 - بركة العصر الإمام العارف بالله مولانا محمد متولي الشعراوي (1329 - 1419هـــ).

11 - مُجدّد القرن سماحة شيخ الإسلام أبي الحسن علي الحسني النّدوي الحنفي المُجدّدي (1333 - 1420هــــ).

12 - رئيس الأشاعرة في عصره العلامة أ. د. علي سامي النشّار (1335 - 1400هــــ).

13 - الإمام المُجدّد الرباني الشيخ محمد الغزالي الحنفي (1336 - 1416هـــ).

14 - العلامة الموسوعي الحبر الكبير أ. د. محمد رجب البيومي (1342 - 1432هـــ).

15 - علامة الشام الإمام العارف بالله الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الشافعي (1349هـــ - 0000).

16 - رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين شيخ الإسلام جمال الدّين يوسف القرضاوي الحنفي (1345هـــ - 0000).

17 - نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الإمام العلامة الحافظ سيدي عبد الله بن بيّه الشنقيطي المالكي.

18 - رائد المدرسة الفكرية الوسطية الإسلامية العالمية العلامة المُحقق الجليل أ. د. محمد عمارة (1349هـــ - 0000).

19 - المُفكّر والفيلسوف والفقيه القانوني الكبير العلامة أ. د. محمد سليم العوّا (1362هـــ - 0000).

20 - مُحدّث الحرمين الإمام العلامة أ. د. السيّد محمد علوي الإدريسي المالكي (1367 - 1425هــ).

21 - شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيّب الأشعري المالكي الخلوتي (1365هـــ - 0000).

22- مُفتي الدّيار المصرية الإمام العلامة أ. د. علي جمعة الشافعي.